للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن قلنا إنه لا يجتهد وإنما يقول عن وحي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، فلا يسمى قبول قوله تقليداً، لاستناده إلى الوحي.

[الشرح والإيضاح]

[قوله: ومن شرط المفتي وهو المجتهد.]

أتى بمن التبعيضية؛ لأنه لم يتقص شروط المفتي، (١)

وإنما ذكر هنا شرطاً وحداً وهو


(١) روضة الطالبين وعمدة المفتين (١١/ ٩٥) وللنووي هنا كلام نفيس أنقله بكاملة لأهميته قال:

وإنما يحصل أهلية الاجتهاد لمن علم أمورا أحدها كتاب الله تعالى، ولا يشترط العلم بجميعه، بل مما يتعلق بالأحكام، ولا يشترط حفظه عن ظهر القلب، ومن الأصحاب من ينازع ظاهر كلامه فيه. الثاني: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا جميعها، بل ما يتعلق منها بالأحكام، ويشترط أن يعرف منها العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، ومن السنة المتواتر والآحاد، والمرسل والمتصل، وحال الرواة جرحا وتعديلا. الثالث: أقاويل علماء الصحابة ومن بعدهم - رضي الله عنه - إجماعا واختلافا. الرابع: القياس فيعرف جليه وخفيه، وتمييز الصحيح من الفاسد. الخامس: لسان العرب لغة وإعرابا؛ لأن الشرع ورد بالعربية وبهذه الجهة يعرف عموم اللفظ وخصوصه وإطلاقه وتقييده، وإجماله وبيانه. قال أصحابنا: ولا يشترط التبحر في هذه العلوم، بل يكفي معرفة جمل منها، وزاد الغزالي تخفيفات ذكرها في أصول الفقه منها: أنه لا حاجة إلى تتبع الأحاديث على تفرقها وانتشارها، بل يكفي أن يكون له أصل مصحح وقعت العناية فيه بجميع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود، ويكفي أن يعرف مواقع كل باب، فيراجعه إذا احتاج إلى العمل بذلك الباب.
قلت: لا يصح التمثيل بسنن أبي داود فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام ولا معظمه، وذلك ظاهر، بل معرفته ضرورية لمن له أدنى اطلاع. وكم في صحيح البخاري ومسلم من حديث حكمي ليس في سنن أبي داود. وأما ما في كتابي الترمذي والنسائي وغيرهما من الكتب المعتمدة فكثرته وشهرته غنية عن التصريح بها. - والله أعلم -.
ومنها: أنه لا يشترط ضبط جميع مواضع الإجماع والاختلاف بل يكفي أن يعرف في المسألة التي يفتي فيها أن قوله لا يخالف الإجماع، بأن يعلم أنه وافق بعض المتقدمين، أو يغلب على ظنه أن المسألة لم يتكلم فيها الأولون بل تولدت في عصره، وعلى قياس معرفة الناسخ والمنسوخ. ومنها: أن كل حديث أجمع السلف على قبوله أو تواترت عدالة رواته فلا حاجة إلى البحث عن عدالة رواته، وما عدا ذلك ينبغي أن يكتفي في عدالة رواته بتعديل إمام مشهور عرفت صحة مذهبه في الجرح والتعديل.
قلت: هذه المسألة مما أطبق جمهور الأصحاب عليه، وشذ من شرط في التعديل اثنين، وقوله: تواترت عدالة رواته يعني مع ضبطهم. ولو قال: أهلية رواته كان أولى ليشمل العدالة والضبط. وقوله: أجمع السلف على قبوله يعني على العمل به، ولا يكفي عملهم على وفقه، فقد يعملون على وفقه بغيره. - والله أعلم -.

<<  <   >  >>