وأما النسخ فمعناه لغة الإزالة، يقال نسخت الشمس الظل إذا أزالته ورفعته بانبساطها.
وقيل معناه النقل من قولهم نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلته بأشكال كتابته.
وحدُّه شرعاً الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه هذا حد للناسخ.
ويؤخذ منه حد النسخ بأنه رفع الحكم المذكور بخطاب إلى آخره، أي رفع تعلقه بالفعل، فخرج بقوله الثابت بالخطاب، رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية، أي عدم التكليف بشيء.
وبقولنا بخطاب المأخوذ من كلامه الرفع بالموت والجنون.
وبقوله على وجه إلى آخره، ما لو كان الخطاب الأول مغياً بغاية أو معللاً بمعنى، وصرح الخطاب الثاني بمقتضى ذلك.
فإنه لا يسمى ناسخاً للأول
مثاله: قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، فتحريم البيع مغيا بانقضاء الجمعة، فلا يقال إن قوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ناسخ للأول بل بيَّن غاية التحريم.
وكذا قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا} لا يقال نسخه قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} لأن التحريم للإحرام وقد زال.
وخرج بقوله مع تراخيه عنه، ما اتصل بالخطاب من صفة أو شرط أو استثناء.