لو كان فيه ضعف يسير يصلح معه في المتابعات والشواهد صح اعتباره في عدد التواتر، أما أحاديث الوضاعين والمتروكين وأضرابهم فلا يعتد بها أصلاً؛ لأنها ليست من الشريعة من هذا الوجه، ولو ثبت كونها من طرق أخرى إلا أن هذا الوجه فيه كذاب أو وضاع، والغالب عليهم سرقة الأحاديث ووضع الأسانيد تكثراً وتصنعاً؛ فلا يعتد به البتة؛ وقد يغتر البعض بمجيئه من هذه الطريق التي فيها كذاب أو متروك فيجعلها ثابتة لثبوت أصلها، ويجعل الأصل الصحيح المروي من طريق أخرى شاهداً على صدق الكذاب ولو في هذا الموضع فقط.
وهذا غلط فاحش إذ الكذاب والمتروك سبيله وضع الأسانيد، أو سرقتها وصناعتها التي لا وجود لها من طريقه البتة، وإنما نبهنا على هذا الموضع؛ لأن بعضهم غلط فحمل كلام الأصوليين القائلين بعدم اشتراط العدالة على غير محمله، وإنما مرادهم أن هذا الشرط موجود في المتواتر من حيث هو في الأصل لا أنهم يقصدون تواتر الكتاب والسنة والأحكام، والدليل على هذا أنهم اشترطوا العدالة في أهل الإجماع معللين أنه حكم شرعي فيجب في ناقله العدالة، بخلاف التواتر كما ذكره في البحر المحيط، وهي إشارة إلى ما عرفناك من فقه هذه المسألة فقولهم حكم شرعي بخلاف التواتر يدل على شيئين:
١ - أن كل حكم شرعي يشترط في نقله العدالة.
٢ - أن التواتر المقصود هنا الذي لا يشترط فيه العدالة ما ليس من الأحكام الشرعية، أما التواتر في نقل الآثار والأحكام فهو من الشريعة فيشترط ذلك. والله أعلم.