للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولها: ما يعرف بحق الله. وهو أوسع الحقوق. والمراد به بوجه عام حقوق الأمة ليحصل لها النفع العام أو الغالب، أو حقّ من يعجز عن حماية حقه. وما كان في الحقوق من هذا القبيل مأمور بحفظه وحمايته شرعاً، ولم يجعل لأحد إسقاطه؛ لأنه مما قضت الشريعة بحفظه كتصرّفات الناس في اكتساب مصالحهم وحمايتها من الانخرام. وهذا كحق بيت المال، والقاصر، وحضانة الصغير الذي لا حاضن له.

ثانيها: حقوق العباد كالتي قدمنا في التقسيم الأول للمقاصد. وهي التصرّفات التي يجلبون لهم بها المصالح، ويدرؤون بها عنهم المفاسد، دون أن يفضي ذلك إلى انخرام مصلحة عامة أو جلب مفسدة عامة، ولا إلى انخرام مصلحة شخص أو جلب مصلحة له أو جلب مضرّة له في تحصيل مصلحة غيره. وحقوق العباد هي الغالب.

وثالثها: حال اقتران الحقّين: حق الله أو الحق العام، وحق العبد، كما في القصاص والقذف والاغتصاب. ويغلب في هذا حقُّ العبد، إذا لم يُمكن تدارك حق الله كما في عفو القتيل عن قاتله عمداً، لأن حق الاستحياء الذي حرّم لأجله القتل وبولغ في التهديد عليه قد فات، فرجح حق العبد على حق الله، ولا يبقى منه سوى أثر قليل هو ضرب القاتل المعفوّ عنه مائة، وحبسه عاماً (١).

[تعيين مستحقي الحقوق يرفع أسباب النزاع]

ومن المقاصد الشرعية المعتبرة نصب الحكام، ووضع الأحكام لرفع أسباب التواثب والتغالب. وتعيين مستحقي الحقوق خيرُ طريق لتحقيق هذا القصد وهو أمر لم يكن موكولاً للصدفة ولا إلى الإرغام، ولكن إلى الفطرة والعدل. وهو ما لا تجد النفوس عنه


(١) المقاصد: ٤٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>