يدلُّ ولوعُ الإمام الأكبر بدواوين الشعر قديمِه وحديثِه على عنايته الفائقة بوجوه النظم، كما يفسِّر تطلُّعه إلى الوقوف على أجمل التصرّفات القولية لدى رواد القريض. فهو يتتبّعها، جامعاً للأشعار وباحثاً فيها، شارحاً لنصوصها وناقداً لها، محيطاً عن طريق ذلك بأسرار الصناعة لدى الأعشى والنابغة، ومعجباً بما تعرضه أفانين القول من إبداعات في شعر بشار، وأمثالٍ وابتكاراتٍ في نظم أبي الطيب.
وإذا كان انطلاقه في هذا كله من كتب اللغة والأدب، وعلوم العربية والبلاغة بما نبّه إليه العلماء من آراء وملاحظات فيما يعرضونه من شواهد يعتمدونها في تصحيح اللغة والاحتجاج بها، أو يلفتون النظر عند ذكرها إلى صور الإبداع المختلفة عند القدامى والمولدين في النظم ومجالاته، من مبان ومعان وأساليب، فإن الإمام الأكبر قد اختلف به الوضع مع المتنبي عمّا ألفه مع الثلاثة الذين سبقوه. فهو وإن كان قد سار مع أعلام النهضة والبيان المتقدّمين سيرةَ الباحث المستكشف للمادة، فهو، مع المتنبي، الدارسُ المنقِّب عن أحوال شخصيته، الناظِرُ في أقواله، مستعيناً في ذلك بما قدّمه العلماء من لغويين ونحاة ورجال أدب وبلاغة من شروح متعدّدة، وتعاليق ضافية، ودرس وتحليل لنظمه، اتضح بجميعها منهج أبي الطيب، واختلفت بسببها مواقف المؤرخين والنقاد منه.