العلماء البارزين لم تجرؤ على إعلان معارضتها لهم، ولكنها جرت على طرائقهم، فضمّنت ما حرّرتْه من شروح وحواشٍ وتعليقات تصحيحَ كثير من الأفهام، وإبداء ما رأته من مقالات وأفكار صائبة.
ولو أن المقلّدين رضوا باستدراك النقص، وتصدّوا لإصلاح الكتب والمؤلّفات مما تزخر به من أخلال، لأعانوا الطلاب بعد طول دراساتهم للعلوم اللغوية والعربية، ومثافنتهم لفَنَّي المعاني والبيان، واستغراقهم غالب أوقاتهم في العكوف على العلوم الشرعية، على الانتفاع بما تخصّصوا فيه، والظهور في مختلف مجالات الدرس والبحث والإنتاج قادةَ فكر، وأئمةَ علم، وأمثلةً ونماذجُ يُحتذى حذوها ويُقتدى بها.
[تحرير الموقف من العلماء السابقين]
وهكذا تتعانق الأجيال، وتلتقي على الخير. فلا يكون الفضل بسبب التقدّم زماناً مطلقاً، ولا بما لابس أولئك العلماء من تقديس لأخذهم بمناهج المتصوّفة أو بظهور الكرامات، أو بالانتماء إلى طائفة معيّنة ونحلة خاصة، أو بالحفاظ على عادات وتقاليد ليست من جوهر العلم ولا مما يتَّصل به أو يتولّد عنه، وإنما أسباب التفضيل التي يقرّ بها العامة والخاصة، ويرونها معايير توزن بها جهودُ الرجال وطاقاتُهم، واتساعُ مواهبهم، وألوان إنتاجهم التي تقوم عليه المدارس العلميّة النافعة، والمذاهب الفكرية الراشدة.
وقدم الناس في كل عصر مَن تميّز من بينهم بالإقبال على العلم والإعراض عن زخارف الدنيا، والنصيحة للكَافة وللخاصة، ومن جهة ثانية المتقنين للعلوم، الواضعين لقواعدها، المبدعين في صنوفها، الذواقين الكاشفين عن أسرارها، والأسخياءَ الذين تَرَقَّوْا بتلك