للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضرورة، صحّ لنا أن ننظر إلى عموم الضرورة وخصوصها. وأن هناك قسماً ثالثاً مغفولاً عنه أيضاً، وهو الضرورة العامة المؤقتة. ويكشف المؤلف عن هذه الضرورة بقوله: كأن يعرض الاضطرار للأمة أو لطائفة عظيمة منها تستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي مثل سلامة الأمة، وإبقاء قوتها ونحو ذلك. ولا شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتبار الضرورة الخاصة، وهي تقتضي تغيير الأحكام الشرعية المقرّرة للأحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة. وقد مثَّلوا لذلك بالكراء المؤبّد الذي جرت به فتوى علماء الأندلس، كابن سراج وابن منظور وبإحكار الأوقاف الذي أفتى فيه ناصر الدين اللقّاني بمصر، وبالنِّصبة والخلو والإنزال بتونس، وبالجِلسة والجزاء اللذَيْن كانا معروفين بفاس، وببيع الوفاء في الكروم الذي أفتى به علماء بخارى (١).

التحيّل:

تحدث الإمام الشاطبي عن التحيّل فقال في المسألة الثانية عشرة في القسم الثاني من كتاب المقاصد: إن الأحكام شرعت لمصالح العباد، وكانت الأعمال معتبرة بذلك؛ لأن مقصود الشارع فيها. فإذا كان العمل في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح ولا مشروع؛ لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها. فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات (٢).


(١) المقاصد: ٣٥٦ - ٣٦١.
(٢) الموافقات: (٣) ٢/ ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>