هو الأستاذ الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية، وزعيم الإصلاح بالأزهر الشريف. تأكدت به صلته عند زيارته الثانية لتونس في رجب ١٣٢١/ أوت ١٩٠٣. وحصل من التجاوب بينهما ما جعل القادم ينظر إلى العالم الشاب، نِظرة إعجاب لزكانته، ورجاحة عقله، وبعد نظره، وقدرته الفائقة البيانية، وحُسن تدبيره، وكريم مواهبه، ناعتاً إياه بسفير الدعوة في الجامعة الزيتونية. وحمل ذلك الشيخ ابن عاشور على التنويه بالزائر الكبير، والحفاوة به، والإشادة بمكانته العلمية، وآرائه وأفكاره الإصلاحية. ونحن نعلم أن هذا الأستاذ رغم اختياره في الإصلاح المنهجَ الثوري الذي اشتهر به، كانت له مبادىء وآراء عمل على نشرها والدعوة إليها ونفع الناس بها. ومجملها في مجال التربية والتعليم ما يعرب عنه قوله:
"أمر التربية هو كل شيء ... وعليه يُبنى كل شيء ... وكل مفقود يفقد بفقد العلم، وكل موجود يوجد بوجود العلم. وأي إصلاح للشرق والشرقيين لا بد أن يستند إلى الدين، حتى يكون سهل القَبول، شديد الرسوخ، عميق الجذور في نفوس الناس. والناس في التعليم طبقات ثلاث: العامة، والساسة، والعلماء. ويجب تحديد ما يلزم لكل واحدة من هذه الطبقات الثلاث من التعلم كمّاً ونوعاً"(١).
(١) د. محمد عمارة. الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: ١/ ١٥١.