للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يك - مراتب الوازع جبليةٌ ودينيةٌ وسلطانية

نحن الآن أشبه بأن نكون رجعنا إلى مبحث نفوذ الشريعة واحترامها بعد أن فصل بيننا وبينه بيان الرخصة. فبنا أن نبين كيف استخدمت الشريعة بنفوذ تشريعها واحترامه في نفوس الناس أنواعَ الوازع الذي يزع النفوس عن التهاون بحدود الشريعة. فاعتمدت في ذلك ابتداءً على الوازع الجِبِلّي، فكان كافياً لها من الإطالة بالتشريع للمنافع التي تتطلبها الأنفس من ذاتها، وبالتحذير من المفاسد التي يكون للنفوس منها زاجرٌ عنها مثل منافع الاقتيات واللباس وحفظ النسل والزوجات. فلا تجد في الشريعة وصايات تحفظ الأزواج لأنه في الجبلة إذ كانت الزوجة كافية في ذلك كما قال عمرو بن كلثوم:

يَقُتن جيادَنا وَيَقُلن لستم ... بعولتَنا إذا لم تمنعونا (١)

وقلّ في الشريعة التعرض لحفظ الأبناء لأحوال عرضت للعرب من التفريط فيه كما فعلوا في الوأد. قال الله تعالى فيها: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (٢). ولذلك كانت الشريعة تعمد إلى الأمور العظيمة التي


(١) البيت الثاني والتسعون من المعلقة. وله رواية ثانية بلفظ "يقدن" بدل "يقتن". التبريزي: ٢٧.
(٢) الإسراء: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>