للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[و - انتصاب الشارع للتشريع]

ممّا يهمُّ الناظرَ في مقاصد الشريعة تمييز مقامات الأقوال والأفعال الصادرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتفرقةُ بين أنواع تصرّفاته.

وللرسول عليه الصلاة والسلام صفات كثيرة صالحة لأن تكون مصادر أقوال وأفعال منه. فالناظر في مقاصد الشريعة بحاجة إلى تعيين الصفة التي عنها صدر منه قول أو فعل.

وأول من اهتدى إلى النظر في هذا التمييز والتعيين العلامة شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، في كتابه: "أنوار البروق في أنواء الفروق". فإنه جعل الفرق السادس والثلاثين بين قاعدة تصرّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، وقاعدة تصرّفه بالفتوى - وهي التبليغ -، وقاعدة تصرفه بالإمامة (١).


(١) القرافي. الفروق: ١/ ٢٠٦ - ٢٠٩؛ الإحكام: (٢) ٩٩ - ١٢٠.
وقد سبق إلى قريب من هذا - وهو بيان أحوال التشريع وملابساته - عالم من علماء السنة من رجال القرن الثالث هو الإمام أبو محمد بن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث، حيث قال: "والسنن عندنا ثلاث. سنة أتاه بها جبريل عليه السلام عن الله تعالى، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُنكح المرأة على عمتها وخالتها ... ". والثانية: سنة أباح الله له أن يسنها وأمره باستعمال رأيه فيها. فله أن يترخَّص فيها لمن شاء على حسب العلّة والعذر، كتحريم الحرير على الرجال، وإذنه لعبد الرحمن بن عوف فيه لعلة كانت به والثالثة: ما سنّه لنا تأديباً، فإنْ نحن فعلناه كانت الفضيلة في =

<<  <  ج: ص:  >  >>