رابعاً: ما حصل بسبب تأثير المنهج الصوفي المعارفي من تهاون بعدّة علوم نافعة. فقد حقّر أصحاب ذلك المنزع جملة من العلوم العقلية العليا والشرعية مما عجزت عنه أقلامهم؛ كعلم أصول الفقه، وعلم البلاغة، والتاريخ، والعمران أو الاجتماع، وأسرار التكليف، ومقاصد الشريعة، كما رفضوا العلوم المنقولة عن اليونان تنزّهاً، والعلوم الأدبية مثل الشعر والكتابة وآداب المجالسة لكون الاشتغال بها في نظرهم إضاعة للوقت. أما العلوم المستظرفة والفلسفية التي منها نقد العلوم، والبحث في أسرارها وعللها، فقد رأوها ملهاة يحسن الانصراف عنها. فهي لم تكن تجد نصيراً من غير أهلها الراضين بها والمقبلين عليها.
من الأسباب المنهجية:
أولاً: تداخل العلوم وربط بعضها ببعض. فإنك لا تكاد تجد فناً من الفنون العلمية خالياً من استخدام الحكمة أو علم الكلام، وإن أوجب ذلك ضيقاً في العلوم وكثرة للخلاف. وقد مثل صاحب كتاب أليس الصبح بقريب لذلك فقال: تراهم في المنطق مثلاً يختلفون في لزوم النتيجة للمقدمات أهو عقلي أم عادي؟ ثم يختلفون اختلافاً طويلاً أساسه المراعاة لاصطلاح فرق المتكلمين، لأن هذا شأن العاديات، ويهوّل على من يقول: هو عقلي أو واجب بأن فيه تحكيم العقل أو الإيجاب، وهما نزعتان ضالَّتان.
ثانياً: الاحتجاج للاصطلاح في القديم، ولو كان في ضبط دلالة اللفظ الواحد. فقد اختلف البيانيُّون والنحاة في وجه التقديم، وإن أوجب ذلك اختلافاً في الفهم. فقال البيانيون: هو للحصر، وذهب النحاة إلى أنه لإظهار الاهتمام بالمقدَّم. كما اختلفوا في أصول الفقه في ضبط مدلول مفهوم المخالفة. فقال الجمهور: يفيد