ولإكمال هذا الجانب المهم من البحث نتعرض مع المؤلف إلى طرق إثبات المقاصد الشرعية. وهذا لا يكون بالاستناد إلى الأدلة المعروفة المستخدمة في علم أصول الفقه أو في تقرير مسائل الخلاف، وإنما يكون بما رسمه بعد التأمل والرجوع في ذلك إلى صنيع أساطين العلماء من طرائق الاستدلال على صحة المقاصد الشرعية. والطرق المعتمدة في هذا الغرض ثلاثة وهي:
أولاً: الاستقراء. وقد فصلنا القول فيه وأشرنا إلى أقسامه قبل.
وهو نوعان: استقراء علل الأحكام، واستقراء علل أدلة الأحكام.
الأول: يكون بتتبع العلل المثبتة بطرق مسالك العلّة، لما يحصل باستقرائها من استخلاص حِكمة واحدة تنتهي إليها، وبالجزم بأنها مقصد شرعي. وقد مثّل لهذا بعلّة تحريم المزابنة. وهي الجهل بمقدار أحد العوضين، وبعلّة النهي عن بيع الجزاف بالمكيل وفيه أيضاً جهل أحد العوضين، والنهي عن خِطبة المسلم على خِطبة أخيه وسومِه على سومِه نفياً للوحشة، وحرصاً على دوام الأخوة.
والثاني من الطريق الأول يكون باستقراء علل أدلّة أحكامٍ اشتركت في علّة واحدة، وحصل لنا اليقين بأن تلك العلّة مقصد مراد للشارع. ومثال هذا النوع النهي عن بيع الطعام قبل قبضه خوفاً من فوات الرواج، والنهي عن بيع الطعام نسيئة تفادياً من بقاء الطعام في