للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقراض والجعل والمزارعة. وهذه معاملات مما يراد تكثيره لتأكد الحاجة إليه. وفرّق بين هذه المعاملات صاحب المقاصد وبيّن أنها مما يدخله الغبن والغرر، وهو مغتفر فيها بخلاف المعاملات المالية، فإنها لا يدخلها شيء من ذلك الغرر على أيّ طرف من أطراف العقد.

وإنما جاز العقد على عمل الأبدان لصعوبة انضباط مقادير العمل المتعاقد عليه فيه، وتعسر معرفة ما ينجر للعامل من الربح، وما يحصل لصاحب المال فيها من إنتاج. ومن حِكمة الشريعة في إلغاء اعتبار الغرر والضرر في هذه العقود الخوف من بقاء أهل العمل عاطلين. وهذا أشد عليهم مما يلحقهم من الخيبة في بعض الصور والأحوال.

وقد دلّ على مشروعية هذه الأعمال البدنية عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود في إعطائهم نخل خيبر للعمل فيه مقابل نصف الثمرة من محصولها. وكذلك ما فعله الأنصار مع المهاجرين حين سلَّموا إليهم حوائطهم للعمل بها.

وخشية الإطالة في شرح هذه المسألة نقف عند أنواع أربعة من المعاملات المشار إليها آنفاً هي: المضاربة، والمساقاة، والمزارعة، والمغارسة.

[المضاربة]

المضاربة عند أهل العراق هي القراض في بلاد الحجاز. والتسمية الأولى مستمدة من الضرب في الأرض. قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (١)، ومن قوله - عز وجل -: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ


(١) سورة النساء، الآية: ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>