للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعلم أن سبب الرخصة هو عروض المشقّة والضرورة. والرخصة في التحقيق:

إما أن تكون في ضرورات عامة مطّردة، كانت سببَ تشريعٍ عام في أنواع من التشريعات، مستثناة من أصول كان شأنها المنع كالسَّلَم والمغارسة والمساقاة. فهذه مشروعة باطراد لدخولها في قسم الحاجي. كما نبّه الشاطبي على ذلك في مبحث الرخصة والعزيمة.

وإما أن تكون في ضرورات خاصة مؤقّتة كالتي يشير إليها القرآن في قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (١). وهي التي عُنِي بها الفقهاء.

ومن الضرورات العامة المؤقّتة أن يعرض للأمة أو طائفة عظيمة منها ما يستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي مثل سلامة الأمة وإبقاء قوّتها. وهذه الضرورة عند حلولها هي أجدر وأولى بالاعتبار من الضرورة الخاصّة (٢) وقد تقدم ذكر أمثلة لها، كالكراء المؤبّد ونحوه. وقد يطرأ من الضرورات ما هو أشد، فالواجبُ رعيُه وإعطاؤه ما يُناسبه من الأحكامِ.

[٢ - تعارض الروايات]

مثاله ما أورده البخاري من حديث عاصم في كتاب الاعتصام من صحيحه. قال: "قال عاصم: قلت لأنس بن مالك: أبَلغك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حلف في الإسلام قال أنس: قد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري التي بالمدينة" (٣). وفي هذا


(١) سورة البقرة، الآية: ١٧٣.
(٢) المقاصد: ٣٥٧ - ٣٦١.
(٣) خَ: ٣/ ٥٧؛ ٧/ ٩٢؛ ٨/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>