للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أ - إثبات أن للشريعة مقاصد من التشريع]

لا يمتري أحد في أن كل شريعة شُرعت للناس أن أحكامها ترمي إلى مقاصد مرادة لمشرّعها الحكيم تعالى، إذ قد ثبت بالأدلة القطعية أنّ الله لا يفعل الأشياء عبثاً، دلّ على ذلك صنعه في الخلقة كما أنبأ عنه قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (١)، وقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (٢). ومن أعظم ما اشتمل عليه خلق الإنسان خلقُ قبوله التمدن (٣)، الذي أعظمُه وضع الشرائع له. وما أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الشرائع إلا لإقامة نظام البشر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (٤). وشريعة الإسلام هي أعظم الشرائع وأقومها، كما دلّ عليه قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (٥) بصيغة الحصر المستعمل في المبالغة.

فإذا وجدنا أن الله قد وصف الكتب المنزلة قبل القرآن بأوصاف الهدى وسمّاها ديناً في قوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (٦) يعني شريعة موسى، وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (٧)، وسمَّاها


(١) الدخان: ٣٨، ٣٩.
(٢) المؤمنون: ١١٥.
(٣) خلق قبوله التمدن فيه. ط. الاستقامة: ٩.
(٤) الحديد: ٢٥.
(٥) آل عمران: ١٩.
(٦) النساء: ١٧١؛ المائدة: ٧٧.
(٧) الشورى: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>