للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرائع في قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (١)، وعلمنا أنه وصف القرآن بأنه أفضلُها، أيقنا بأن القرآن هو أفضل الهدى وأعلاه. قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} (٢)، ثم قال: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (٣)، ثم قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (٤)، فوصَفَهُ بوصفين: تصديق ما بين يديه من الكتاب، أعني: تقرير ما جاء به التوراة والإنجيل من التشريع الذي لم ينسخه القرآن، وكونه مهيمناً على ما بين يديه من الكتاب، وذلك فيما نُسخ من أحكام التوراة والإنجيل، وفيما جاء به من أصول الشريعة التي خلا منها التوراة والإنجيل. فهو مهيمن، أي: شاهد وقيم على الكتب السالفة.

فالشرائع كلها وبخاصة شريعة الإسلام جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل، أي في حاضر الأمور وعواقبها. وليس المراد بالآجل أمورَ الآخرة، لأن الشرائع لا تحدد للناس سَيْرهم في الآخرة، ولكن الآخرة جعلها الله جزاءً على الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا. وإنما نريد أن من التكاليف الشرعية ما قد يبدو فيه حرج وإضرار للمكلّفين، وتفويتَ مصالحَ عليهم، كتحريم شرب الخمر وتحريم بيعها. ولكن المتدبّر إذا تدبّر في تلك التشريعات ظهرت له مصالحها في عواقب الأمور (٥).


(١) المائدة: ٤٨.
(٢) المائدة: ٤٤.
(٣) المائدة: ٤٦.
(٤) المائدة: ٤٨.
(٥) تفسير المؤلف الآجلَ بهذا الوجه منظور فيه إلى أصل المآل في الأفعال. فالشارع إنما شرع الأسباب لأجل المسببات، أي: لتحصل المصلحة =

<<  <  ج: ص:  >  >>