للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الأسلوب إلا اليسير. ومعلوم أن طبع كل امرىء - إذا ملك زمام الاختيار - يجذبه إلى ما يستلذّه ويهواه، ويصرفه عما ينفّر منه ولا يرضاه" (١). غير أن هذا الرأي أو الحكم لا يخضع للفطرة وحدها. وهو ليس على إطلاقه لكونه عند أرباب الصناعة وأهل النقد يعود إلى مرجعية من القواعد تثبّته وتزكّيه. وهي لا تجتمع إلا لباحث أو دارس، وإلى صنوف من التحصيل لا يحيط بها إلا كل مِفَنٍّ ممارس، وإلى أضرب من المقايسة والمقارنة والمفاضلة والموازنة، لا تتّفق إلا لمن اتّسعت مداركُه، وكثرت روايتُه، ووقف عند الصور الأدبية والأمثلة الشعرية مستجلياً مفاتنها وروائعها، مستكرهاً ومحذراً ممّا يعرض لها من اختلاف واضطراب.

[الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني]

ولا يتمّ إدراك ذلك في الصناعة الأدبية إلا بالنظر في عنصرين أساسيين يكونان على درجة رائعة من الإيحاء، وفي منزلة عالية من إحكام البناء. وهذان العنصران هما: اللفظ والمعنى. تتفاوت مراتبهما، ويعلو وينزل قدرهما بقدر ما يكون من إجادة وإحسان، وإبداع وإمتاع، خاصة في جانب الألفاظ والمباني.

وقد جعلت طائفة من النقاد صلة ثابتة بين العنصرين، فربطوا بين المعاني والألفاظ، وقدّروا الأولى بمنزلة الأرواح، والثانية بمنزلة الأجسام. قال ابن رشيق: "فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه، وإن ضعف المعنى واختل بعضه كان اللفظ من ذلك أوفر حظاً. ولا تجد معنى يخلّ إلا من جهة اللفظ، وجريه


(١) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>