للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه على غير الواجب. وإن اختل المعنى كله وفسد، بقي اللفظ مواتاً لا فائدة فيه، وإن حَسُن طلاوةً في السمع" (١).

ومن أجل هذا تحدَّث النقاد عن المعاني وأفردوها بالدرس. فأطلقوها على عدة أقسام. منها: أصل المعنى، وهو الأغراض والصور العامة التي تستفاد استفادة أولية من مختلف صيغ الخبر والإنشاء. ومنها: المعاني الأول، وهي الأغراض الخاصة التي قصدها البلغاء لنكتة مثل رد الإنكار، ومنها: الثواني - أو معنى المعنى - بحسب اختلاف أئمة البلاغة في ذلك كالجرجاني والسكاكي. وهي في جملة ذلك عبارة عن الخواص الكلامية التي تفيد كيفيات في المعاني الأول، مثل القصر والاستغراق والكناية والمبالغة، مما يتميز به كلام بلغاء العرب.

وقد تحدّثوا في هذا الباب عن شرف المعنى وما يستفاد من الكلام ويتلقّاه السامع مستغنياً به عن غيره في استفادة الغرض الذي يومىء إليه. ونعتوا هذا المعنى بالشرف والصحّة، وبالمعجب الجزل العذب، والمحكم الزاهر الفاخر. وتُقابل شرفَ المعنى سخافتُه إذا قلّت جدواه، أو لدلالته على تعلّق تفكير صاحبه بصور ضعيفة.

ولتوجيه الناشئة وبيان المسالك الرشيدة في هذا الغرض، الواجبِ اتباعُها، دعا النقاد البلغاء فيما تجيش به نفوسهم ويريدون إبلاغه إلى نفوس السامعين إلى أن يتخيّلوه في خلدهم، ثم يكتبونه


(١) العمدة: ١/ ٢١٧. ويفسّر ذلك الإمام الأكبر ببيان رأيه في الحكم بين مذهب أهل الألفاظ ومذهب أهل المعاني. ويقول: إنه لا يتم للكلام حُسنه وبلاغته إلّا باجتماع شرف لفظه وشرف معانيه. ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>