للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأحسن صورة تكفل لهم وقوعَه لدى السامعين موقعاً حسناً يفي بالمراد والغرض أكملَ وفاء.

ومن أسباب شرف المعنى أن يكون مبتكراً غير مسبوق أو مزيجاً بعضه مسبوق وبعضه مبتكر. وبمقدار زيادة الابتكار على المسبوقية يكون دنُوّه من الشرف. وقد ذكر المرزوقي أمثلة لشرف المعنى بدت في ابتكارات كثيرة عند بشار وأبي تمام وأبي الطيب، وجعل قريباً من ذلك ما ورد منها عند أبي نواس وابن الرومي والمعرّي.

وأمّا شروط تحقّق شرف المعنى فهي تختلف باختلاف محالّها من أغراض الكلام. نبّه إلى ذلك ابن الأثير في المثل السائر بقوله: "إن الكاتب أو الشاعر ينظر إلى الحال الحاضرة ثم يستنبط لها ما يناسبها من الغائب" (١).

وإذا كان العمق في استجلاء محاسن الكلام طريقاً لمعرفة خصائص المدرستين: مدرسة الألفاظ ومدرسة المعاني، وسبيلًا للوقوف على بديع تصاريف المباني، وجميل تضاعيف المعاني، وجب الانتباه إلى مناهج النقاد في اختياراتهم، وهي كثيرة، لاتساع مجال الطبع فيها، وتشعّب مراد الفكر لها.

فمن النقاد والبلغاء من يرى فِقَر الألفاظ وغررها كجواهر العقود ودررها، وأن ما جاء منها محرّراً مَصفّى من كدر المعنى والخطل، مقوّماً من أود اللحن والخطأ، سالماً من جنف التأليف، موزوناً بميزان الصواب، قَبِله الفهم والتذّ به السمع. وإذا ورد على


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>