للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يد - أحكام الشريعة قابلة للقياس باعتبار العلل والمقاصد القريبة والعالية]

لا أحسب لمن يتطرّقه شك في قبول الأحكام للقياس حساباً من سعة النظر في الشريعة، ولا أعدّه إلَّا عاكفاً على تلقي الجزئيات المأثورة دون شعور بجهات الاتحاد بين متماثلها في الأحكام، ولا أحسبه إلَّا متحيّراً عند تطلب أحكام لصور وأعمال غير ثابتة في الآثار أحكامٌ لها، وأنه لا يلبث إلَّا أن يجد نفسه مضطراً للقياس، وإذا افتقد نفسه وجد نفسه قد قاس. فإن استقراء الشريعة في تصرّفاتها قد أكسب فقهاء الأمة يقيناً بأنها ما سوّت في جنس حكم من الأحكام جزئيات متكاثرة إلا ولتلك الجزئيات اشتراك في وصف يتعيّن عندهم أن يكون هو موجب إعطائها حكماً متماثلاً. ومن ثمّ استقام لهم من عهد الصحابة إلى هلم جرًا أن يقيسوا بعض الأشياء على بعض، فينوطوا بالمقيسة نفس الأحكام الثابتة بالشرع للمقيس عليها في الأوصاف التي أنبئوا أنها سبب نوط الحكم، وأنها مقصود الشارع من أحكامه. فإن كانت تلك الأوصاف فرعيَّة قريبة سميناها عللاً مثل الإسكار، وإن كانت كليات سميناها مقاصد قريبة مثل حفظ العقل، وإن كانت كليات عالية سميناها مقاصد عالية، وهي نوعان مصلحة ومفسدة. وقد تقدّم ذلك كله.

وإنما هرع الفقهاء في التشريع والتفريع إلى القياس على النظائر

<<  <  ج: ص:  >  >>