للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجزئيات، ولم يعمدوا إلى الفحص عن المعاني الكليات القريبة، ولا إلى الفحص عن إثبات وجود الكليين العاليين وهما المصلحة والمفسدة، لأنهم رأوا دلالة النظير على نظيره أقربَ إرشاداً إلى المعنى الذي صرّح الشارع باعتباره في نظيره، أو أومأ إلى اعتباره فيه، أو أوصل الظنُ بأن الشارع ما راعى في حكم النظير إلا ذلك المعنى. فإن دلالة النظير على المعنى المرعي للشارع حين حكم له بحكم مَّا دلالة مضبوطة ظاهرة مصحوبة بمثالها. فقد قال بعض أساطين علمائنا (١) *: "ولاستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق" (٢). فتكفي الفقيه مؤونة الانتشار في البحث عن المعنى من أجناسه العالية. ثم بما فيها من التمثيل والضبط تنتقل بالمجتهد إلى المعنى الذي اشتمل عليه النظير غير المعروف حكمُه، فَيُلْحقُه في الحكم بحُكم كلياته القريبة، ثم بحكم كلياته العالية، إذ لا يعسر عليه ذلك الانتقالُ حينئذ فتتجلى له المراتب الثلاث انجلاء بيِّنًا.

ولم يزل من طرق الاستدلال لدى ذوي العقول من الحكماء والرياضيين الوصول إلى الأشياء الدقيقة السامية بواسطة الأشياء الواضحة القريبة. فكذلك نعدّ الفقهاء في عدادهم إذ هي طريقة مثلى لجميع أهل المدارك العالية.


(١) * هو العلامة الزمخشري في تفسيره المعروف بالكشاف عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ} البقرة: ٢٦. اهـ. تع ابن عاشور.
(٢) ينظر المؤلف إلى قول الزمخشري في تفسيره: ضرب المثل أن التمثيل يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب وإدناء المتوهم من المشاهد ... الزمخشري. الكشاف: (١) ١/ ٥٤ = (٢) ١/ ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>