للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يه - المقصد من العقوبات]

لقد بيّنتُ في مبحث أن الشريعة ليست بنكاية، وأن جميع تصرّفاتها تحوم حول إصلاح حال الأمة في سائر أحوالها. وأجملت القول هنالك بأن الزواجر والعقوبات والحدود ما هي إلا إصلاحٌ لحال الناس.

ويجب أن نبسط القول هنا في مقصد الشريعة من العقوبات، من قصاص وحدود وتعزير. وذلك أن من أكبر مقاصد الشريعة هو حفظ نظام الأمة، وليس يُحفظ نظامُها إلا بسدّ ثلمات الهرج والفتن والاعتداء. وأن ذلك لا يكون واقعاً موقعَه إلا إذا تولته الشريعة ونفذته الحكومة، وإلّا لم يزدد الناسُ بدفع الشر إلا شراً كما أشار إليه قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (١). وقد قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} إلى أن قال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (٢) كلاماً مسوقاً مساق الإنكار والتهديد على كل من يهمس بنفسه حب تلك الحالة، وإن كان سبب النزول خاصاً. ومن جملة حكم الجاهلية تولّي المجني عليه الانتقام، كما قال الشميذر الحارثي:

فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّةً ... فنقبلَ ضَيماً أو نحكّم قاضيا


(١) الإسراء: ٣٣.
(٢) المائدة: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>