للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنّ حكمَ السيف فينا مسلّط ... فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا (١)

فمقصد الشريعة من تشريع الحدود والقصاص والتعزير وأروش الجنايات ثلاثة أمور: تأديب الجاني، وإرضاء المجني عليه، وزجر المقتدي بالجناة.

فالأول وهو التأديب راجع إلى المقصد الأسمى. وهو إصلاح أفراد الأمة الذين منهم يتقوم مجموع الأمة كما قدمناه في البحث المتعلق بالمقصد العام من التشريع (٢). وقد قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (٣). فبإقامة العقوبة على الجاني يزول من نفسه الخبث الذي بعثه على الجناية، والذي يظن أن عمل الجناية أرسخه في نفسه إذ صار عملياً بعد أن كان نظرياً. ولذلك فرعّ الله تعالى على إقامة الحد قولَه: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (٤).

وأعلى التأديب الحدودُ, لأنّها مجعولة لجنايات عظيمة. وقد قصدت الشريعةُ من التشديد فيها انزجار الناس وإزالة خبث الجاني. ولذلك متى تبيّن أن الجناية كانت خطأ لم يثبت فيها الحد. ومتى ظهرت شبهةٌ للجاني فقد التحقت بالخطأ فتسقط الحدود بالشبهات. ثم إذا ظهر في الخطأ شيء من التفريط في أخذ الحذر يؤدَّب المفرّطُ بما يفرض من الأدب لمثله.

وأما إرضاء المجني عليه فلأن في طبيعة النفوس الحنَق على من


(١) تقدَّم: ١٦٦.
(٢) انظر أعلاه: ٢٣٢.
(٣) المائدة: ٣٨.
(٤) المائدة: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>