للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو الفتح ابن جني: معنى البيت قرّبني منه بحسب ما كان بيني وبينه من البعد.

وسكت أبو القاسم عن تصوير المعنى المراد من البيت بعد وصفه له بالاستغلاق والاستبهام قائلاً: إنه في هذا البيت ينظر إلى بيت الحماسة:

يُقرِّبن ما قُدامَنا من تنوفةٍ ... ويزددن مما خلفهن بنا بُعدا

وذهب ابن السرّاج إلى أن بعد التداني يراد به قرب القلوب أي قرباً لا أريد زواله. وهذا أخذاً من مقالة أرسطو: أقربُ القرب مودَّاتُ القلوب وإن تباعدت الأجسام، وأبعدُ البعد تنافر التداني.

[البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح]

عيون رواحلي إن حِرتُ عَينِي ... وكلّ بُغام رازحةٍ بُغامي

شرع ابن جنّي في بيانه لمعنى البيت بتفسير كلمتي حرت وبُغام. فحرت بمعنى تحيّرت. والبُغام صوت الناقة المعيية. أخذ هذا من كلام المتنبي نفسه حين سأله عن معنى البيت، فقال: إن حارت عيني فعيون رواحلي عيني، وبغامهن بُغامي. قال أبو الفتح: إن حرت فأنا بهيمة مثلهن (كناية رمزية). وهذا من قولك: إن قلت كذا وكذا فأنا مثلك، ومن قول أبي الطيب في البيت قبله:

أيا لائمي إن كنتُ وقت اللوائم ... علمتُ بما بي بين تلك المعالم

ولم يستحسن أبو القاسم هذا التصرّف من ابن جنّي في اعتماده على جواب المتنبّي، ذاكراً أن أبا الفتح كثيراً ما يعدل إلى مثل هذا، فيقول مرّة هذا حصلته عليه، وأخرى فأجابني وقت الاجتماع معه. وهذا من عمل الغريق يتعلّق بما يرى، متّهماً أبا الفتح بوقوفه عند

<<  <  ج: ص:  >  >>