للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قاله الشاعر من بيان أو توجيه من غير إعمال فكر أو رويّة.

وقرن أبو القاسم ردَّه على أبي الفتح ببيان معنى البيت كما يتّضح له قائلاً: إن عيون إِبلي تهتدي إلى الطريق وسلوكه لاعتيادها قطع الأسفار، وإلفِها سلوكَ المفاوز. فكلّما تحيّرتُ فهنَّ هادياتي، وإذا ضللت كنّ مرشداتي. ويؤكّد صحَّة ما ذهب إليه في البيت الأول نظرُ أبي الطيب إلى قول الشاعر:

ذراني والفلاةَ بلا دليل ... ووجهي والهجير بلا لِثام

وإلى قول أبي تمام يصف الإبل:

المرضياتك ما أرغمت أنأُفَها ... والهادياتك وهي الشرّد الضُّللُ

وعلّق الشيخ ابن عاشور على هذه المقارنة بين البيانين (١).

وقد اكتفى ابن السرّاج بإيراد المعنيين مضيفاً إلى مقالة الأولين شرح كلمة الرازحة من قول أبي الطيب: فكل بُغام رازحة. والرازحة المعيية.

ولكثرة مرويات أبي الطيب من الشعر الجيّد المختار، اشتغل شراحُه ونقادُه المناصرون له والمتحاملون عليه بردّ بديع تصرّفاته لما وعته حافظته، واختزنته ذاكرتُه. ومن يتتبع كتاب الواضح يجده يعَرِّف أبا الطيب بأنه قد خالط نحواً من خمسة وتسعين شاعراً، آخذاً عن كل واحد منهم ما استجاده أو انفعل به. وفي الكشف عن ذلك نجد ابن السرّاج وكثيراً غيره يتعرّضون بالتصريح لما دعوه سرقات.

وأعتقد أن في الاكتفاء بهذه اللمحة الدالة ما يغري بدراسة شعر المتنبّي من جهة ما انفرد ابن السرّاج بالإشارة إليه والتأكيد عليه، ومن


(١) انظر ما تقدّم: ٦٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>