جهة ما توارد من الخواطر في شرح مشكله عند ابن جنّي والأصفهاني وابن السرّاج جميعاً، ومن جهة ما أضافه المحقّق من تحقيقات وبيانات لغوية وأدبية، اعتمد فيها الكثير من المراجع لتصحيح النص في الكتابين: الواضح والسرقات.
بمثل هذا التدبّر للمباني والألفاظ، والنظر فيما يتحمّلانه من معانٍ وأغراض، وبتصوير مسالك الشعراء، وأئمة القريض، من قدامى ومحدثين في مناحي القول وطرق العرض، نُلفي الإمام الأكبر يمضي مع المتنبي في رحلة أدبية طويلة زاهرة، بين روائع الأدب وفنونه، شعره ونثره، قديمه ومولّده، شرقيه وغربيّه، ويقف بنا عند معاقده وجواهره، وتصرّفات الإحسان والإبداع فيه، منبّهاً إلى ما اعتمده من ذلك اللغويون والنقاد وَمَهَرَةُ الشعراء والكتاب.
وهو بتصرّفه هذا يعرض على طلاب الأدب في عصرنا منازل رجال هذا الفن التي لمَّا يلحقوا بها، وصوراً جمالية تحتاج إلى من يجلّيها لهم، ويقدّمها في معارض الفكر والأدب نماذجَ رائعةً، وطرائفَ خالدة، تقتضي منهم الحفظ والدرس لها، والدربة والمران عليها، بما ينشأ لديهم ويحصل لهم من امتزاج الأنفس بها والتجاوب معها.
* * *
واستوقَفَت النصوصُ المشكلةُ والفصوصُ البديعةُ من شعر الفحول المتقدّمين الإمامَ الأكبر، فحرص على جمعها وبيانها وتقريب أغراضها، وتصوير التصرّفات القولية الإبداعية فيها - يتجلّى لنا ذلك في شروحه وتحقيقاته وتعاليقه على شعر الأعشى، وابن برد، والمتنبّي - ودعته همّته العلمية العالية، وملكاته اللسانية والبيانية، إلى أن يُولِي صناعةَ النثر من كتابة وخطابة، من الإبداعات الرائعة