للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ح - أنواع المصلحة المقصودة من التشريع]

قد ثبت مما قررته في المبحثين قبل هذا أن مقصد الشريعة من التشريع، حفظ نظام العالم، وضبطُ تصرّف الناس فيه، على وجه يعصم من التفاسد والتهالك. وذلك إنما يكون بتحصيل المصالح واجتناب المفاسد على حسب ما يتحقق به معنى المصلحة والمفسدة. فحقيق عَلَيَّ أن أبين أمثالاً ونظائر لأنواع المصالح المعتبرة شرعاً والمفاسد المحذورة شرعاً، لتحصل للعالِم بعلم مقاصد الشريعة مَلَكةٌ يعرف بها مقصود الشارع. فينحو نحوه عند عروض المصالح والمفاسد لأحوال الأمة جلباً ودرءاً.

ووجهُ حاجة هذا العالِم إلى ذلك: أن المصالح كثيرة متفاوتة الآثار قوة وضعفاً في صلاح أحوال الأمة أو الجماعة، وأنّها أيضاً متفاوتة بحسب العوارض العارضة والحافة بها من مُعضَّدات لآثارها أو مُبطلات لتلك الآثار كلًا أو بعضاً. وإنّما يُعْتَبرُ منها ما نتحقق أنه مقصودٌ للشريعة، لأن المصالح كثيرة منبثة.

وقد جاءت الشريعة بمقاصد تنفي كثيراً من الأحوال التي اعتبرها العقلاء في بعض الأزمان مصالح، وتُثبِت عوضاً عنها مصالحَ أرجحَ منها. نعم إن مقصد الشارع لا يجوز أن يكون غير مصلحة، ولكنه ليس يلزم أن يكون مقصوداً منه كل مصلحة. فمن حق العالِم بالتشريع أن يَخْبُرَ أفانين هذه المصالح في ذاتها وفي عوارضها، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>