للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[د - السماحة أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها]

السماحة: سهولة المعاملة في اعتدال، فهي وسط بين التضييق والتساهل.

وهي راجعة إلى معنى الاعتدال، والعدل، والتوسط. ذلك المعنى الذي نوّه به أساطين حكمائنا الذين عنوا بتوصيف أحوال النفوس والعقول، فاضلَها ودنيَّها وانتسابَ بعضها من بعض. فقد اتفقوا على أن قوام الصفات الفاضلة هو الاعتدال، أي التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، لأن ذينك الطرفين يدعو إليهما الهوى الذي حذّرنا الله منه في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (١)، وقوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (٢)، وقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (٣)، فإن ذلك متعلق بأهل الكتاب ابتداء، ومراد منه موعظة هذه الأمة؛ لتجتنب الأسباب التي أوجبت غضب الله على الأمم السابقة وسقوطَها. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليهود: "لو ذبحوا أية بقرة لأجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم" (٤).


(١) ص: ٢٦.
(٢) النساء: ١٧١، المائدة: ٧٧.
(٣) الحديد: ٢٧.
(٤) حديث أبي هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم". أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وذكره ابن كثير من رواية ابن مردويه وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة: ١/ ١٩٤. الشوكاني. فتح القدير: ١/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>