للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج - مقصد الشريعة تعيين أنواع الحقوق لأنواع مستحقّيها

إن تعيين أصول الاستحقاق أعظم أساس وأثبته للتشريع في معاملات الأمة بعضها مع بعض. فإنه يُحصِّل غرضين عظيمين هما أساس إيصال الحقوق إلى أربابها, لأن تعيينها ينوِّرها في نفوس الحكام، ويقرّرها في قلوب المتحاكمين، فلا يجدوا عند القضاء عليهم بحسبها حرجاً. وسيأتي في مقاصد نصب القضاة والحكام أن من مقاصد الشريعة رفعَ أسباب التواثب والتغالب، فيُعلم هناك أن تعيين مُستحقي الحقوق أولُ عون على ذلك المقصد، وأن ذلك المقصد غايةٌ وعلّةٌ لهذا المقصد.

وحقوق الناس هي كيفيات انتفاعهم بما خلق الله في الأرض التي أوجدهم عليها، كما أنبأ على ذلك قولُه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (١). فهذا نص القرآن قد جعل ما في الأرض جميعاً حقاً للناس على وجه الإجمال المحتاج إلى التفصيل والبيان. فلو أن ما في الأرض يفي برغبات كل الناس في كل الأحوال وكل الأزمان لما كان الناس بحاجة إلى تعيين حقوق انتفاعهم بما في عالمهم الأرضي. ولكن الرغبات قد تتوجَّه إلى أشياء في أزمان أو بقاع أو أحوال نراها لا تفي بإرضاء تلك الرغبات كلِّها، إمّا لأنّها أقلُّ من حاجات الراغبين، وإمّا لأنّ بعضَها آنقُ من


(١) البقرة: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>