للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض، فتنهال الناس إلى طلب الأينق وترك غيره. فلا جرمُ يتوقّع من ذلك تزاحم كثير على متاع قليل، لعله يفضي إلى التواثب والتغالب فيدحض القويُ حقوق الضعيف. وربّما كان عاقبة ذلك تفاني المتكافئين في القوة على التناول، وفناءَ المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

وقد قضت الشريعةُ في تعيين أصحاب الحقوق وبيان أولوية بعض الناس ببعض الأشياء، أو بيان كيفية تشاركهم في الانتفاع بما يقبل التشارك، على طريق فطري عادل، لا تجد النفوس فيه نفرة ولا تُحسّ في حكمه بهضيمة. فلم تعتمد الشريعةُ على الصُدفة ولا على الإرغام، ولكنها توخّت نظرَ العدل والإقناع حتى لا يجد المنصفُ حَرجاً. ثم لما أحكمت سداه وركزت مداه أمرت الأمة بامتثاله وحدّدته تقريباً لنواله.

وجماعُ أصول تعيين الحقوق هو أحد أمرين: إما التكوين وإما الترجيح.

فالتكوين أن يكون أصلُ الخلقة قد كوّن الحق مع تكوين صاحبه وقرن بينهما، وهو أعظم حق في العالم.

والترجيح هو إظهارُ أولويةِ جانبٍ على آخر في حق صالح لجانبين فأكثر.

وطريق إثبات هذه الأولوية إمّا حجّةُ العقل الشاهد بالرُّجحان، وإمّا الحجّة المقبولة بين الناس في الجملة. فإن لم يكن شيءٌ من هذين المرجّحين فقد يُصارُ إلى مرجّحات اصطلاحية وضعية مثل السبق إلى التحصيل، وكبر السن الذي هو سبق في الوجود. فإذا فُرض الاستواء بين المراتب المتنازعة الحق فقد يصارُ إلى القرعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>