من اللغة ما كانت تعرف به من فصاحة وإبداع وعمق وإمتاع.
[أسباب تدهور العلوم اللسانية]
من أشدّ الأسباب، تأثيراً على هذا اللسان وإضعافاً له وإعجاماً، وجود فئات ثلاث:
١ - كتّاب تلقوا اللسان العربي تلقِّياً علمياً صناعياً لا سماعياً ذوقياً، تشهد لهذا قصص كثيرة أودعها الأبشيهي كتابه المستطرف في جماعة من النحاة تنكيتاً عليهم، بذكر أخطائهم.
٢ - الأدباء والشعراء المولَّدون، ممن أفسدوا المجاز والاستعارة، ناسِين أن القصد منهما تخييل المعاني وإحضار صورها في الأذهان.
٣ - طائفة من غير المحقّقين أفسدت اللغة بتفسيرها ألفاظ القرآن بقوة معنى الكلام من غير رجوع إلى أصول تلك الكلم ودلالاتها فيما تعارف عليه أهل اللسان مما جرت به الاستعمالات العربية. فترتّب على ذلك كثرة المشترك من الألفاظ، وتداخلت المعاني، واختلطت الحقيقة بالمجاز، وهم في غفلة عن الإبدال في لهجات العرب، مع مبالغتهم وتوسّعهم في معاني الحروف، بما حصل منه التَّشتِيتُ في الأفهام والخلط في المعاني، واستعمال ألفاظ كثيرة دخيلة غير عربية، كما نلمس ذلك في قاموس الفيروزآبادي.
وتوقِّي هذه الآثار لا يكون إلا بتتبّع أساليب العرب الفصيحة، والابتعاد عن سقط الكلام وحوشيِّه، ورعونة التعبير والإجحاف فيه، والحفظ والعناية والتمرّس بالقرآن الكريم بصورة تتّحد بها دلالات الألفاظ، وتسطعُ بها في النفس الصور والاستعمالات الرائعة والأساليب البليغة العجيبة.