للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثال الثالث: الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد:

قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (١).

اعتبر هذه الآية فاصلة في قضية الطلاق ثلاثاً حسب ما ذهب إليه جمهور الفقهاء. ولتمام البيان والشرح أتي بفاء التفريع أول هذه الآية في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} لتكون مترتّبة على الآية السابقة وهي قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}. والطلقتان الأوليان جمعتا لأنهما يدلان بطريق الاقتضاء في كليهما على الخيار في المراجعة وعدمها اللّذين يوميء إليهما قوله - عز وجل -: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فإن أردفتهما ثالثةٌ فتلك هي الطلقة الثالثة التي لا تحلّ مراجعة المرأة فيها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيرهُ؛ لأنها من البتات الذي ليس معه مراجعة. فبيان نهايته، وهي المراجعة، كان صريحاً بهذه الآية: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ}. وفي هذا حدّ لما كان عليه الناس في الجاهلية من مراجعتهم المرأة بعد تطليقها، ثم يطلّقونها دواليك، فتبقى زمناً طويلاً في حالة ترك، إضراراً بها، إذ لم يكن الطلاق عندهم منتهياً إلى عدد لا يملك الزوجُ بعده المراجعة. والبتات المترتب على الطلقة الثالثة يسلب الزوج حقَّه في مراجعة زوجته، كما يسلب امرأته حق الرضا بالرجوع إلى زوجها حتى تنكح زوجاً غيره. والحكمة من هذا التشريع إنزال العقوبة على المستخفين بحقوق المرأة من الأزواج بإيقاع الطلقة الثالثة، إيلاماً لهم في وجدانهم. وسبب ذلك تهاون المطلّق بشأن امرأته التي في عصمته، ونبذه لحقوقها، حتى جعلها لعبة تَقَلَّبَها عواصفُ غضبه وحماقته. وبهذا يتبين للمطلّقين أنّهم لم


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>