لإثراء الأمة وأفرادها طريقان أحدهما التملّك، والثاني التكسّب. وقد مضت الإشارةُ إليهما إجمالاً في مبحث مقصد تعيين الحقوق لأصحابها (١).
فالتملّك هو أصل الإثراء البشري. وهو اقتناء الأشياء التي يستحصل منها ما تسدّ به الحاجة بغلاته أو بأعواضه أي أثمانه.
والأصل الأصيل في التملك الاختصاص. فقد كان من أصول الحضارة البشرية أن يدأب المرء إلى تحصيل ما يحتاج إليه لتقويم أَوْدِ حياته وسلامته. فهو يصيد لطعامه، ويجتني الثمر لفاكهته، ويحطب للوقود، ويبني البيت أو الخُصَّ للتوقي من الحرِّ والقر، ويتوخّى منازله بجوار المياه خشية العطش، ويرتبط الفرس ويعد السلاح للدفاع، ويقتني نفائس الحلي والثياب للتزين. وهو يتجشّم في السعي لنوالِ ذلك عرَقَ القِربة أو وحشةَ الغُربة. وهو يعمد إلى السَّبق إلى الأشياء المباحة للناس كالحشيش وورق الشجر والتقاط النبق ليأخذ منها حاجته قبل أن يستنفدها الناس، ويحول مجرى الماء إلى أرضه قبل أن يحوله آخر، يتحمل لذلك كله ما يبلغ به الجهد والتعب وإعمال الرأي.