للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن هذا الماضي المجيد ليدعو إلى الاعتزاز بشرف الانتماء إلى الوطن وإلى رجاله وقادته وعلمائه. ويحمل على المحافظة على تلك القيم الموروثة، وعلى التمسك بذلك التراث العظيم. فلا يتسامح في إضاعته أو نسيانه، ولا يقبل الرجوع على الأعقاب ولا التخلف عنه، فيصدق على ذلك {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} (١).

ويحق قول لبيد:

اِقْض اللبانة لا أب لك واذهب ... والحق بأسرتك الكرام الغيّب

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب

[ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم]

وهنا تبرز الدعامة الثانية للإصلاح التي تدفع إلى نقض الأوضاع، والبحث عن العلل، والسعي إلى التغيير. وهي تتمثل في إلقاء نظرة عميقة فاحصة على الواقع المرّ والوضع السيِّئ الذي انتهى إليه ذلك المركز العلمي الجليل جامع الزيتونة، والدهش مما حَلَّ بأهله من غفلة ونكوص. وتحمل على المقارنة بين هؤلاء وأسلافهم ما كنا نبّهنا إليه من إهمال الضبط، واختلال النظام. فلا المناهج محدّدة، ولا الكتب مقرّرة، ولا الأوقات معيّنة، ولا المدرسون مراقبون، ولا المتطوِّعون قائمون بما التزموا به من حصص الدرس. فالانسياب مُسْتَشْرٍ، والفوضى مسيطرة على كل شيء. وطلاب العلم بهذا المعهد متفاوتو الأعمار، متمايزو المواهب والاستعدادات. ومما يزيد الوضع سوءاً الغفلة عن تنظيم درجات التعليم، وإعطاء كل مرتبة من المراتب ما تحتاجه من عناية، ويناسبها من أسلوب لائق بها نافع لها. فقد أهملت التمارين التطبيقية في عامة الدروس حتى


(١) مريم: ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>