للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأخر العلوم الفقهية وأسبابه]

ومن أسباب اختلال هذا العلم:

أولاً: التعصّب للمذاهب، والعكوف من أصحابها على كلام أئمتهم واستنباط الأحكام منه بالالتزام ونحوه. وأصبح قصارى عمل هؤلاء نقل الفروع، وجمع الغرائب المخالفة للقياس، ونقل الخلاف. ومضوا على ذلك معطِّلين الاجتهاد والتفقّه في الدين. وقد ذكر الباجي مقالة الإمام مالك في هذا. قال: "لا أعلم قوماً أشد خلافاً على مالك من أهل الأندلس، لأن مالكاً لا يجيز تقليد الرواة وهم لا يعتمدون غير ذلك" (١). ورد المقّري في قواعده على الاتجاه نفسه من التعصب للمذاهب بوضع الحِجَاج على الطرق الجدلية مع اعتقاد الخطأ أو المرجوحية، فإن في ذلك بعداً عن النصفة للحق، وتثبيتاً للخطأ في الفقه، وإيثاراً للهوى على الهدى (٢). وقد أنكر هذا التصرف كافةُ العقلاء، وقال أبو العلاء:

فمجادل وصلَ الجدالَ، وقد درى ... أنّ الحقيقة فيه ليس كما زعم (٣)

ثانياً: مقاومة النظر في الفقه بمنع الترجيح والتعليل، والتشنيع على من يقوم بذلك، واتهامه بإرادة إحداث مذهب جديد، أو قول ثالث. وهذا من المغالطات التي يعتمدها العَجَزَة، وذوو الحظ القليل من العلم. ومما يُبطل جمودهم على منهجهم صنيعُ سحنون،


(١) المقري. القواعد: القاعدة ١٢٢، ١/ ٣٥١.
(٢) القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائة. المقري: القواعد: ٢/ ٣٩٧.
(٣) البيت ثاني بيتين من مقطعة رباعية. والبيت الأول منها:
ما للأنام وجدتهم من جهلهم ... بالدين أشباه النعام أو النعم
اللزوميات: ٢/ ٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>