للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البيضاوي: إن المجتهد إذا غلب على ظنه كون الحكم في الأصل معللاً بالعلة الفلانية. ثم وجد تلك العلة بعينها في الفرع. يحصل له بالضرورة ظن ثبوت ذلك الحكم في الفرع، وحصول الظن بالشيء مستلزم بحصول الوهم بنقيضه. وحينئذٍ فلا يمكنه أن يعمل بالظن والوهم لاستلزامه اجتماع النقيضين، ولا أن يترك العمل بهما لاستلزامه ارتفاع النقيضين، ولا أن يعمل بالوهم دون الظن لأن العمل بالمرجوح مع وجود الراجح ممتنع شرعاً وعقلاً، فتعيّن العمل بالظنّ، ولا معنى لوجوب العمل بالقياس إلا ذلك (١).

[أدلة نفاة القياس]

وأدلة نفاة القياس، وأبرزهم الظاهرية والإمامية، كثيرة. اعتمدوا في المنع على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٢)، وقوله سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (٣)، وقوله - عز وجل -: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (٤)، وقوله جل تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٥).

ولهم من السُّنة أحاديث أبطلوا بها قياسات لعمر وأسامة في شأن حلتين أرسل بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما فلبسها أسامة قياساً للبس على التملك والانتفاع والبيع وكسوتها لغيره وردها عمر قياساً لتملكها على لبسها. فأسامة أباح وعمر حرم قياساً فأبطل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل


(١) شرح الإسنوي: ٢/ ٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ٥٩.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٤٨.
(٤) سورة النساء، الآية: ٢٠٥.
(٥) سورة الحجرات، الآية: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>