للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم أهمية القياس في التشريع واعتماده أصلاً من الأصول عند الأكثر، تباينت فيه بعض مواقف المتكلّمين وعلماء الأصول والفقهاء، وظهر ذلك في انقسامهم إلى مثبتين للعمل به، وإلى منكرين له مانعين منه.

فالمذهب الظاهري هو متمسَّك نفاة القياس. وهو القائل بشمول النصوص وإغنائها عن القياس. وإنما أخذ بالقياس أهل الرأي الذميم الذين بنوا أحكامهم على القول في دين الله بغير علم (١)، وظنّوا أن النصوص قاصرة عن بيان جميع الحوادث، وأنها غير وافية بالأحكام ولا شاملة لها، وهم لا يقدرون على استجلائها والاستنباط منها، فقطعوا على الله بالظن. وكلا الأمرين مما حرمه الله علينا. قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (٢)، وقوله: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (٣).

أما أهل الرأي السليم فهم الذين ناصروا المجتهدين كمناصرة المزني لجماعته المثبتين للقياس بقوله: إن الفقهاء من عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا وهلم جرّاً، استعملوا القياس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم .. وأجمعوا بأن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه والتمثيل.

إصرار ابن حزم على رأيه واستدلاله على صحّة موقفه:

أمعن ابن حزم في إنكار التعليل والقياس، وناقش مخالفيه في


(١) ابن القيم. إعلام الموقعين: ١/ ٤٣٠ - ٤٣٢؛ الأحكام: ٧/ ٩٢٩.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٣٢.
(٣) سورة النجم، الآية: ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>