للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابه الإحكام في أصول الأحكام، وجعل الفعل أهمَّ دليلٍ له في الغرض لقوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (١). وخلاصة مذهبه قوله: أخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه، وأن أفعاله لا يجري فيها لِمَ؟. وإذا لم يُحِلّ لنا أن نسأله عن شيء من أحكامه وأفعاله: لماذا كان هذا؟ فقد بطلت الأسباب جملة، وسقطت العلل البتة، إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمر كذا لأجل كذا، وهذا أيضاً مما لا يُسأل عنه. فلا يحلّ لأحد أن يقول: لم كان هذا السبب لهذا الحكم، ولم يكن لغيره؟. ولا أن يقول: لِمَ جُعل هذا الشيء سبباً دون أن يكون غيره سبباً أيضاً؟ لأن في فعل هذا السؤال عصياناً لله، وإلحاداً في الدين، ومعارضة لقوله سبحانه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} فمن سأل الله عما يفعل فهو فاسق. فوجب أن تكون العلل كلها منفية عن الله ضرورة (٢).

ولم يتكلّف الشيخ ابن عاشور كبير جهد لإبطال الاستدلال بالآية، واكتفى بالتنبيه على أن سياق الآية هو إثباتُ التوحيد وتفنيدُ الشرك. وأنَّ تقَدُّمَ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} على {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} اقتضته مناسبة الحديث عن تنزهه سبحانه عن الشركاء. والسؤال هنا بمعنى المحاسبة، وطلب سبب بيان الفعل، وإبداء المعذرة عن فعل بعض ما يفعل، وتخلّص من ملام أو عتاب على ما يفعل (٣). وعلى هذا لا يمكن تعميم عدم السؤال ليتوصّل إلى البحث عن علل الأحكام الشرعية.

وإنما اختلف العلماء بعد ذلك في القياس في الأمور الشرعية. فانصرف الجمهور إلى أن التعبّد بالقياس جائز عقلاً، واجبٌ العملُ به شرعاً.


(١) سورة الأنبياء، الآية: ٢٣.
(٢) ابن حزم. الإحكام: ٨/ ١٠٢ - ١٠٣.
(٣) التحرير والتنوير: ١٧/ ٤٥ - ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>