ومن الحديث عن الدليل من السُّنة النبوية، الذي لا يصحّ الاحتجاج به في حكم من الأحكام، إلا إذا كان خاضعاً لشروط، أهمّها: أن يكون الحديث صادراً في مقام التشريع؛ شاملاً القضاء أو الفتوى، فكلاهما تطبيق للشريعة، أو صادراً عن مقام الإمارة الذي يصوّر لنا في الغالب تصرّفات النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشريعاته فيما يقع خلال أحوال الحروب مما يحتمل خصوصيّة ما (١).
[الموضع الثاني: الحقوق وإسقاطها]
من الموضوعات التي حدّد شيخنا أحكامها وفصّل القول فيها، بناء على ما كتبه الفقهاء والأصوليون من قبل، موضوع الحقوق وإسقاطها. فقد أدرج الحديث عنها في باب طلب الشريعة للمصالح، وفي الفقرات التي بينت للناس منهج الشريعة الإسلامية في المحافظة على أنواع المصالح باعتبار تصرّف الناس فيها، وبحسب تنوّعها إلى حقوق ذاتية ثابتة للإنسان على غيره، أو حقوق ثابتة للإنسان في نفسه ولا تعلّق لها بغيره. وفي التوطئة لذلك نبَّه الشيخ ابن عاشور إلى أن المحافظة على أنواع المصالح باعتبار تصرّف الناس فيها بالاتساع والتضييق تجعل لكلّ أحدٍ الاختيار في حقوقه الذاتية الثابتة له على غيره. فله أن يسقطها إن شاء، لأن كونها حقوقاً له، وكونها مطالِباً بها غيره، تحوم حوله مظنة حرصه على تقاضيها. فالشريعة تَكِله إلى الداعي الجِبِلِّي. هو داعي حب النفس والمنافسة في الاكتساب. فالإسقاط لا يكون إلا لغرض صحيح. فإن تجاوز ذلك الحد، فاختل الداعي الجبلي، سمّي سفهاً يمنع صاحبه من التصرّف. وعلى هذا النحو حدد الشيخ ابن عاشور ما يرجع إلى الحقوق الثابتة للإنسان في