للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفضة، كما نعلم أن النقد بدأ ينتشر في بلاد العرب وما حولها وتَعامل الناس به، وسمّوا العينين الذهب والفضة نقدين. واعتبر الفقهاء هذين المعدنين أثماناً بأصل الخلقة. وإثر ذلك ولمواجهة البيوعات والمبادلات البسيطة أو المهينة أحدثوا أثماناً دون الدينار والدرهم. فضربوا القيراط والدانق وهي الفلوس، وجعلوا قيمة الدانق سدس الدرهم، والقيراط نصف الدانق. فإذا كانت هذه الفلوس نافقة وأقبل عليها الناس فهي الرائجة، وإلا فهي فلوس كاسدة (١).

[رأي الغزالي والمقريزي في النقدين]

نوّه الغزالي شديد التنويه بثمنيّة النقدين في قوله: إن الله تعالى خلق الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما ... وخلقهما لحكمة أخرى هي التوسل بهما إلى سائر الأشياء لأنهما عزيزان في أنفسهما، ولا غرض في أعيانهما، ونسبتهما إلى سائر الأموال واحدة. فَمَن ملَكَهما فكأنه ملك كل شيء.

ومن يتدبر هذه الجمل على اقتضابها يتبين سبق هذا العقل الجبار النافذ إلى إدراك حقائق هذه المعادن وخصائصها، والتعرف على ما لم يسبقه إليه أحد في ذلك. فهو يعلن من خلال هذا النص عن رغبات المتبادلين في التبادل، وعن كون الدنانير والدراهم خُلِقا ليكون تقديرُ الأموال عن طريقهما، وأنه من المتعيّن تثبيت قيمة النقدين فلا يكونان سلعاً. ومضى في تحليله مضيفاً أن كل من أجرى معاملة الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر بنعمة الله وظلم؛ لأنهما


(١) محمد سلامة جبر. أحكام النقود في الشريعة الإسلامية: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>