يكونوا مُحقّين في أحوالهم التي كانوا عليها في الجاهلية.
وقد نظروا المراتب الثلاث للطلاق، التي جاءت الشريعة بها لردع الأزواج عن تصرّفاتهم السيئة، باعتبار الطلقة الأولى هفوة، والثانية تجربة. فإذا حصلت الثالثة كانت فراقاً. وهذا وفاق لما فسّر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخلافَ بين الخضر وموسى - عليهما السلام -: أن جعل المخالفة الأولى بالسؤال نسياناً، والثانية شرطاً، والثالثة التي كانت عمداً فراقاً، لقول الخضر لموسى: هذا فراق بيني وبينك.
واللفظ الثاني المشير للنظر والدرس هو ثلاثاً. فأكثر الفقهاء حمله على ما في الآية من تفصيل، وهو وقوع طلقتين متقدمتين تلحقهما طلقة ثالثة. وبعضهم جعل المقصود بالثلاث: إيقاع الطلاق به بلفظ واحد.
وفرّق الشيخ ابن عاشور بين الاتجاهين في هذا التفسير بتقدير الحكمة والمصلحة من هذا التشريع، فجعل المبتوتة التي يحتاج معها إلى محلِّل هي الطلاق مرتين تتبعهما ثالثة. ولزاماً أن يقصر هذا الحكم على مورد النص. أما ما يقع من التطليق ثلاثاً بلفظ واحد فهو تغليظ، أو تأكيد، أو كذب. وإنزال حكم الطلاق السابق عليه متحقّق، وفيه حكمة التأديب على هذا الصنيع. غير أن التلفظ بالثلاثة في المرّة الواحدة لا يجعلها في الواقع ثلاثة، وإنما هي واحدة. فلا يعاقب بالتفريق بينه وبين زوجه، وإن تصرَّف تصرُّف الحمقى، أو كان من الكذابين. وكمال هذا الحكم: ما صوره به الإسلام. ودليل هذا حديث ابن عمر المعروف، وحديث ركانة بثت عبد يزيد المطلبي أنه طلق امرأته ثلاثاً في كلمة واحدة. فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له:"إنما ملَّكك الله واحدة. فأمره بأن يراجعها".