للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضدّ هذه الصفة، صدِىء الفهم منه، وتأذّى السمعُ به تأذّيَ الحواس بما يخالفها. وهؤلاء رواد مدرسة الألفاظ.

ومنهم من لم يرض بالوقوف عند الحد الذي وصفناه، فتجاوزه في التقدير، والتزم من الزيادة عليه تتميمَ المقاطع، وتلطيف المطالع، وعطفَ الأواخر على الأوائل، ودلالة الموارد على المصادر، وتناسب الفصول والوصول، وتبادل الأقسام والأوزان، والكشف عن حجب المعاني بألفاظ هي في الاختيار أولى، حتى يطابق المعنى اللفظ، ويسابق فيه الفهمُ السمع. وهذا في اعتقاد القائلين به ما لا غاية وراءه ولا قصد بعده.

والفريق الثالث مَن ترقّى، كما قال المرزوقي، إلى ما هو أشقّ وأصعب. فلم يقتصر على أفانين التصرّف البلاغي التي ألمعنا إليها حتّى طلب البديع، وأوغل في الترصيع والتسجيع، والتطبيق والتجنيس، وعكَس البناء في النظم، وأقبلَ على توشيح العبارة بألفاظ مستعارة. ولكل هذه التصرّفات القولية عند النثّار والشعراء منزلة من النفوذ، ودرجةٌ من الاعتلاء.

وفي تأكيد هذا النهج الموسوم بمنهج مدرسة الألفاظ يقول ابن طباطبا في تخيّره للشعر: "فهو ما إن عَرِي من معنى بديع لم يعرَ من حسن الديباجة. وما خالف هذا فليس بشعر" (١).

وأصحاب الألفاظ هم الأكثرون من أصحاب الذوق والبلغاء، غير أنهم ليسوا متمرّسين في علوم المعاني والبيان. وقد وضعوا العناية باللفظ في الدرجة الأولى، اعتباراً منهم لكون حُسن الديباجة


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>