للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظية يجعل الكلام مقبولاً، ولو كان عريّاً عن معنى بديع.

ويقابل هؤلاء فريق من أصحاب الألفاظ المتخيَّرة، والتعابير الساحرة الرائعة جماعةٌ من البلغاء والنقاد قصدوا فيما تجيش به الخواطر إلى أن تكون استفادةُ المتأمّل له، والباحث عن مكنونه من آثار عقله أكثر من استفادته من آثار قوله. وهؤلاء هم أصحاب المعاني الذين ألمّوا بالعلوم العربية وصور البيان، غير أنهم لم يكمل لديهم ذوق صناعة البلاغة. فصرفوا اهتمامهم الأول إلى المعاني التي يريد البليغ التعبير عنها، ولم يحفلوا بجانب ذلك بالصنعة ولا تكلّفوا المحسنات. ولكنهم في عرض منازع المعاني يطيلون القول في بيان رسومها. وإنّما أجادوا أيّما إجادة في تحرير القول في ذلك بياناً وضبطاً، وتحليلاً وتصويراً، إذ جعلوا ذلك من مميزات مدرستهم. فالمتأمّلون في أقوالهم وأشعارهم يلفون فيها معاني فائقة، ترجع إلى المجاز أو التشبيه، أو إلى الإيجاز أو التلميح أو التمليح. وقد نوّه بأصحاب هذه المدرسة ابن الأثير حين قال: "ينبغي أن يتيقَّن المؤلف أن المعاني أشرف من الألفاظ، وأن هذه الصناعة من النظم والنثر، التي يتواضعها البلغاء بينهم، وتتفاضل بها مراتب البلاغة، إنما هي شيء يستعان عليه بدقيق الفكرة وكثرة الرويّة. ومن المعلوم أن الذي يستخرج بالفكر وينعم فيه النظر هو المعنى دون اللفظ. فمن المعاني ما يكون مبتدعاً فيذكر صاحبه معنى لم يسبق إليه" (١).

وبقدر اختلاف النقاد والبلغاء في اتجاهاتهم وأحكامهم يرى المرزوقي أن من هذه مناسبَ المعاني لطُلّابها، ومن تلك مناصبَ الألفاظ لأربابها، وأن أجود ما يكون الإبداع فيه، والإمتاع به، ما


(١) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>