للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي النحو الخامس رأى المؤلف أن الأحكام الصادرة عن الشارع فيه غير معلّلة، ولا هي ممّا عرفت حكمة التشريع في تشريعها. وقد وصفها بقوله: وهذا النوع من الأحكام يسمّى التعبّدي.

والتعبّدي عند الفقهاء مقصور على العبادات وعلى ما هو نسك، لعدم بحثهم فيه عن علّة لأنّه ممّا لا قياس فيه، ولأنّه مما لا تظهر فيه للمجتهد من الأحكام علّة ولا حِكمة إلا على وجه الإجمال. فالتعبّدي هو الذي يتّهم الفقيه فيه نفسه بالقصور عن إدراك حِكمة الشارع منه، ويستضعف علمه في جنب سعة الشريعة. وهو موجب حيرة يمكن أن تزول تدريجياً، بمقدار ما يستحصل من مقاصد الشريعة في هذا النوع من الأحكام، وما يستكثر مما حصل في علمه منها (١).

وعلل الشيخ ابن عاشور وجود هذه الأحكام التعبّدية بين الفقهاء بأخذهم فيها بظاهر اللفظ أو بالوصف الوارد عند التشريع، دون المقصد منها (٢). وفي هذا ما فيه من تعطيل لملكة الفهم، وتوقّف عن طلب الأسباب. ودعا أئمةَ الفقه إلى ألا يساعدوا على وجود الأحكام التعبّدية في تشريع المعاملات، وإلى تفحّص الأحكام التي خفيت عِللُها أو دقتْ، فلا يعاني الناس من جرائها متاعب جمّة في معاملاتهم (٣).

والمكلفون بحاجة إلى معرفة المقاصد، وليس ذلك على إطلاقه. وإنما هي وظيفة العلماء. فهم الذين يجب عليهم بذل الجهد لمعرفة المقاصد، وإن كان في هذا الأمر تفاوت في تقدير المقاصد بقدر القرائح والفهوم (٤).


(١) المقاصد: ٤٠ - ٥١.
(٢) المقاصد: ١٥١ - ١٥٢.
(٣) المقاصد: ١٥٥.
(٤) المقاصد: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>