للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبدعون ودبّجه المتقدّمون، كما حالت الظروف دون الانطلاق، بل دون استئناف الجد في طلب العلم في أكثر مجالاته لانطفاء سرجه، وذهاب من بقي من العلماء في البلاد.

ثانياً: ما ظهر في نفوس الطلاب من طموح إلى اكتساب أوسع ما يمكن من المعرفة، وقادهم ذلك إلى حب المشاركة في جميع العلوم. فاختلطت مادة الدرس بعدة قضايا يتوقّف بعضها على فهم بعض. فكلّت الهمم، وحال ذلك دون أهل العلم ودون تحقيق علم من العلوم ينبغون فيه. وانتقلوا من الاختصاص بأحد فنون العلم، مثل الأئمة المشاهير الذين سبقوهم، إلى الاكتفاء بنظرة شمولية سطحية لم تساعدهم على التقدّم بالفكر والعلم. وأمام هذا الانتكاس، الذي حصل لهم بموجبه ضيقُ الوقت مع اتساع العلم، رضوا من العلم بالانتساب إليه، واقتنعوا بما ألمّوا به من قليل المسائل في كلِّ علمٍ.

ثالثاً: انتشار الطرائق الصوفية بين المسلمين التي بثت في نفوسهم الرضا بالموجود، واحتقار سائر العلوم ما عدا المعرفة بالله بحسب تصوّراتهم. وفي غمرة هذا المنزع الجديد تعوّدت النفوس على قبول ما لا يفهم والاقتناعِ به، كتلك التي امتلأت بها كتب المتصوّفة من الرموز والمغلقات والدعاوى التي لا دليل عليها، وأصبح من توجيهات قادة الفكر عندهم في ذلك الحين أن يتعلم الناس سماع ما لا يفهم، وأن يقتنعوا بكل ما يسمع، جاعلين من دلائل علو العلم وشرفه استعصاء فهمه على الإنسان.

وقد احتاج هذا المنزع إلى طول وقت وإلى بذل جهود كبيرة لاقتلاعه من النفوس وتحريرها منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>