اضطرار العاملِ إلى التعاقد، فينتهز ذلك ويتجاوز في أرباح نفسه. وقد علل الفقهاء إعطاء الأجير أجره، قبل أن يجفّ عرقه من غير تأخير ولا نَظْرة ولا تأجيل، بشدة حاجته إلى الانتفاع بعوض عمله، إذ ليس له في الغالب موئل مال. كما جوّزوا تنفيل العملة فيما يبرمونهُ من عقود بمنافع زائدة مما يقتضيه العمل، ولا يُنفّل بمثل ذلك صاحبُ المالِ أو صاحبُ العمل.
وقصد الشريعة من هذه التصرّفات والتوجيهات الحياطة لجانب العَمَلة سداً لذريعة ذهاب عملهم باطلاً أو مغبوناً. وليس معنى هذا أنها بأحكامها تحابي العمال دون أصحاب الأعمال. فإن في حراسة حقوق العمال من الاعتداء عليها عدلاً وصلاحاً للفريقين.
وبالإضافة إلى هذا كله أوصت الشريعة باحترام العامل والحفاظ على كرامته. فمنعت كل عقد أو شرط يكون فيه إضرار بالعامل، أو إيهام الاستعباد له، وربما ذهبت إلى أكثر من هذا. فقد جاء في خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوبُ التزام دائرة الوسع والطاقة، وعدم تكليف العامل إلا بما هو في وسعه. وأكد - عليه السلام - هذا المعنى بقوله:"عبيدكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق، فإن كلفه فليُعِنْه"(١).
ومن رحمة الإسلام بالأُجراء والإحسان إلى من يُستخدم منهم ألا يقل أجر الأجير الذي يقيم مع صاحب العمل عن كفايته من الطعام والثياب، أما السكنى فهو يساكن صاحب العمل في بيته. ويكون هذا في كل عصر بما يناسبه.