للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفصّل الإمام القول في التملّك والتكسّب. جاعلاً التملّك من أصول الحضارة البشرية، وأنه الأصل الأصيل للإثراء البشري وللاختصاص. وهو عبارة عن اقتناء الأشياء التي يستحصل منها ما تُسَدُّ به الحاجة بغلاته أو بأعواضه.

وتتفرّع عنه من الحقوق ما ترجمت عنه كثير من المعاملات كإحياء الموات والمغارسة. وقيدت الشريعة تصرّف الناس فيه للأحرار الرشداء. ولا يتوقّف هذا الحق إلا بسبب صبا أو سفه أو إفلاس ونحوه.

والتكسب وهو الوجه الثاني للتصرّفات المالية عبارة عن معالجة إيجاد ما يسدّ الحاجة إما بعمل البدن أو بالمراضاة مع الغير. وأصول التكسب ثلاثة: الأرض، والعمل، ورأس المال. وذكر علماء الاقتصاد أن التملك والتكسب سببٌ للقيام بالعديد من الوظائف الاجتماعية، وجعلت الشريعة ما يتفرع عنهما من أحكام مبنياً على الشروط والالتزامات. ومن أمثلة ذلك حديث العداء بن خالد أنه اشترى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبداً أو أمة فأمره أن يكتب له بذلك: هذا ما اشتراه العداء بن خالد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. اشترى منه عبداً أو أمة بيع المسلم للمسلم لا داء ولا خبئة ولا غائلة (١).

ومما تقتضيه مقاصد التملك إعطاء المالك حقَّ التصرّف في ماله، وتحرم مُضارَّة المسلم غيره في ملكه، وعدم التعامل بالربا لما فيه من إضرار بالعامة والخاصة. وكل ما دخل في ملك الإنسان عن طريق غير شرعي مهدر، وهو ظلم ينبغي أن يُرفع. ولا يجبر الإضرار بحقوق الناس، ولا يحافظ على أموالهم وعلى الإنتاج، غير محاسبة الناس وإقامة العدل بينهم. فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من استعملناه منكم على عمل فَكَتَمَنا مخيطاً فما فوقه فهو غالٌّ يأتي بما غلّ يوم


(١) ابن حجر. الفتح: ٤/ ٣٥٧، تع ٩٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>