ففي هذه الآيات الكريمة امتنان من الله على عباده بما وفّره لهم، رحمة منه ولطفاً، من ضروريّات وحاجيّات وتحسينيات في هذه الحياة: تقيم أودهم، وتلبّي رغباتهم، وتَقِيهم أنواع المخاطر والمهالك. وهو سبحانه يطوي فيها أمرهم باتخاذ معدن الحديد الذي سخَّرهُ لهم يليّنونه رغم متانته وصلابته، لاستخدامه في شتى المجالات في حالتي السلم والحرب. فمنه آلة الحرث، والدروع والسيوف، والمراكب على اختلاف أنواعها، والآلات والأجهزة، وأمدّهم بالمواد الأولية لصناعة الثياب واللباس، وجعل ذلك ستراً لهم ووقاية، كما سخر لهم البحر والينابيع الجارية من الماء، وفيها رزقهم من الأسماك والحيوانات البحرية وما يحرصون على اقتنائه من جواهر ولآلئ تكون لهم حلية وزينة. إنه التذكير بالنعمة، والتحريك للمواهب، والهداية والتوجيه إلى ضروب الصناعات التي يحتاجون إليها لتحقيق الإنتاج وتنمية الثروة الزراعية والحيوانية والتطور بها.
وقد تمايزت الشعوب والبلدان بصناعاتها، وتزاحمت بذلك في ميادينها بصورة مطردة وعجيبة. فمن الصناعات ما يخدم الزراعة وينمي الإنتاج الفلاحي، ومنها ضروريّ لا يستغنى عنه، وشريف بموضوعه يحرص الناس على الإفادة منه والظهور به، ومنها ما دون ذلك مما يعدّ صنائع تابعة وممتهنة في الغالب. ولكن هذا الميدان