للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمساقاة عقد لازم من الجانبين كالإجارة عند الجمهور من الشافعية والحنفية والمالكية. وغير لازم عند الحنابلة. وإن هرب العامل عند هؤلاء، فلرب المال الفسخ لكون المساقاة عندهم عقداً جائزاً غير لازم. وذهب الجمهور ممن يقول بلزوم العقد: لو هرب العامل قبل الفراغ من العمل، وأتمّه المالك متبرّعاً بالعمل بقي استحقاق العامل كتبرع الأجنبي بأداء الدين، ولو لم يتبرّع المالك بالعمل استأجر الحاكمُ بعد رفع الأمر إليه على العامل من يتم العمل من مال العامل. فإن عجز المالك عن مراجعة الحاكم أشهد المالك على العمل بنفسه، أو على الاتفاق إن أراد الرجوع بما يعمله أو ينفقه. ذلك أن الشهادة حالّ قيام العذر كالحكم، ويلزمه التصريح في الإشهاد بحق الرجوع على العامل.

ولم يجز أبو حنيفة وزفر المساقاة لأنها من قبيل الاستئجار ببعض الخارج من الأرض وهو منهي عنه.

وقال بمشروعية المساقاة أبو يوسف ومحمد صاحبا الإمام أبي حنيفة، وجمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد استدلالاً بمعاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر. وفي هذا قوله ليهود خيبر: أقرّكم فيها ما أقرّكم الله - عز وجل - على أن الثمر بيننا وبينكم. وفي رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح خيبر دعا اليهود فقال: نعطيكم على أن تعملوها. أقرّكم ما أقرّكم الله (١). وقد جرى على هذا الصحابة، لعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة الراشدين وأهل المدينة، ولإجماع الصحابة عليه (٢).


(١) ابن عبد البر. الاستذكار: ٢١/ ١٩٥ - ١٩٦/ ف ٣١٠٠٧.
(٢) ابن قدامة. المغني: ٥/ ٣٨٤؛ تكملة فتح القدير: ٨/ ٤٥؛ مغني المحتاج: ٢/ ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>