للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائشة سمعت هذا من رسول الله، ما أُرَى رسول الله ترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر إلا أن البيت لم يُتمّم على قواعد إبراهيم" (١). فعلمنا من كلامه أنه كان يرى الدليل الذي بلغه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ترك استلام الركنين، حالّاً محل الحيرة من نفسه، وكان ينقدح في نفسه أن لدلالة ذلك الدليل موجباً لم يعلمه. فلماه سمع حديث عائشة أيقن أنه الموجِب وانثلج لذلك صدره.

وأيضاً يكون الاقتناع عند وجود المعارض سريعاً أو بطيئاً بمقدار قوّة الشك في أن يكون ذلك المعارض مناسباً للمقصد الشرعي أو غير مناسب. ألا ترى أن عمر بن الخطاب لما استأذن عليه أبو موسى الأشعري ثلاثاً فلم يجبه. فرجع أبو موسى فبعث عمر وراءه. فلما حضر عتَبَ عليه انصرافه. فذكر أبو موسى أنه: سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه إذا لم يؤذن للمستأذن بعد ثلاث ينصرف. فطالبه عمر بالبيّنة على ذلك وضايقه حتى جعل أبو موسى يسأل في مجلس الأنصار عمّن يشهد له بعلم بذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال له مشيخة الأنصار: لا يشهد لك إلّا أصغرنا، وهو أبو سعيد الخدري (٢). فلما


(١) قول ابن عمر هذا كالاستنتاج من حديث عائشة. أثبته البخاري في ذيل الحديث المتقدم وهو الثاني في الباب.
(٢) أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي. وفاته بين ٦٥ - ٧٤ هـ. اسْتُصْغِرَ بِأُحُدٍ واستشهد أبوه بها، وغزا هو ما بعدها. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الكثير، وعن الأربعة، وعن زيد بن ثابت وغيرهم؛ وعنه عدد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وجابر ومحمود بن لبيد وأبو أمامة بن سهل وأبو الطفيل. وهو من أفقه الصحابة، ومن أفضلهم، وممن بايع الرسول على أن لا تأخذه في الله لومة لائم. ابن حجر. الإصابة: ٢/ ٣٢، عدد ٣١٩٦. =

<<  <  ج: ص:  >  >>